دموع إمراة سيئة السمعة

دوام الحال من المحال
والأيام دول
"
"

وماكان بالأمس عزيزا", لا تستغرب اليوم أن تراهُ ذليلا" مُحتقرا"
ومارايته بالأمس مُتصاغرا" ربما يقف اليوم ليكون عزيزا" وسط الأذلاء..!

كانت المراة العجوز هى أشهر نساء المحافظة الفقيرة, يعرفها أهل القرى القريبة التى ترتبط بنسب مع عائلتها, كما يعرفها سكان القرى السوداء والبيضاء البعيدة..!
وكان كل أبناء القرية يعتبرونها ام لهم, سواء كان بارا" او فاجرا", ولم لا إذا كانوا جميعا" رضعوا من ثديها الكريم..!
لا أحد يعرف على وجه اليقين كم عمرها, فعندما ولدت لم يكن أحد يعرف ماهى الكتابة وماهو القلم..!

جلست العجوز فى رحاب بيتها العتيق الفسيح.. تنظر من فوق السطح لتلك الترعة التى شاب شعرها وأنحنى ظهرها وإمتلاء قلبها بركام وشوائب السنين.!, الترعة تقطع جوف البيت من أعلى لأسف, لا تكل ولا تمل..!
وثلاث نخلات أُصيب جريدها بالشيخوخة والهذيان فلم يعد له صوت ولا ضوء.!, وحول النخلات يلتف مجموعة من سكان القرى البيضاء البعيدة, يشيرون بأصابعهم فى إعجاب وذهول لتلك النخلات, رغم أن أبناء المراة العجوز من الفقراء وقفوا واضعين أيديهم على خدودهم , منتظرين من يجئ ليهز لهم جذع النخلة لتساقط عليهم ذهبا" جنيا..!
فى أخر بيتها الفسيح ترقد فى سلام مجموعة من البيوت الحجرية المتهالكة, ربما كانت مقابر, ربما كانت مخازن لخير عرفته القرية فى الماضى!., وأصحاب البشرة البيضاء يجولون وسط حطام هذه البيوت معجبون فى ذهول بنقوش تلك البيوت العجيبة, ويتسألون عن أكوام من العظام البشرية ربما تبوح بأسرار من بنوا هذه البيوت فبنوا بها حضارة تحسدهم عليها كل القرى..!

فى مدخل بيتها ثلاث تماثيل جيرية إزدانت بالوان فلكلورية الملامح والذوق..!
هذا تمثال إبنها الأكبر (كمال)..!, كان زينة شباب القرية, رجل منتصب القوام, منتصب الكرامة, كان أبوه صعيديا فورث عن أبيه معنى أن لايفرط الرجل فى أرضه, وأن الأرض عرض!..كان هو الأمر الناهى فى عائلته, سمعته وكرامته جعلته محط إعجاب حتى أعدائه فى القرى البعيدة , وكم كان أهل قريته وأبناء عمومته ينتظرون أن يلتقى بهم (كمال) ليدور حديث طويل عن أمال وألام الفقراء والمعذبين..!
لا زال اهل القرية يتذكرون كيف وقف (كمال) عارى الصدر مع أبناء عمومته الصغار ليدافع عن شرف القرية وحقها فى العيش بكرامه., لكن الظلم أحيانا أقوى من سلاح الأمل فى يد مجردة من السلاح!,مات (كمال) بحسرته قبل أن يحقق حلمه فى عزة وكرامة أهله وأبناء عمومته, مات (كمال) ولم يستطع أن يسترد قطعة الأرض التى ورثها عن أبيه وسرقها (أبناء داود)..!

أبنها الأوسط كان إسمه (انجب).. ضحكته البضاء كانت تنير وجه الأسمر الأصيل!, كان عنيدا" وذكيا", ولم يكن منذ ولادته إبن عز, كان مكافحا" يبحث لنفسه عن مكان يستظل به من حر الفقر والحرمان.!,
إستطاع (أنجب) أن يجمع اهله وأبناء عمومته على قلب رجل واحد.., وبسرعة لا يعرفها إلا الأشداء إستطاع أن يرد لقريته كبريائها وكرامتها, إستطاع أن يعيد لأمه قطعة الأرض المبللة بنزيف التضحية والشهادة!!,لكن مثله مثل من سبقوا عصرهم, إختباء له نفر من أبناء عمومته وإغتالوا عمره الذى كانت القرية تتمنى أن يمتد حتى يحقق كل أمانيه وأحلامه الشريفه..!

العجوز تنظر لتمثال إبنها الأصغر (حمدى).. يقف منتصبا" فخورا" بما يزدان به كتفه من إنجازات وتاريخ مشرف., العجوز تنظر خارج البيت.., جماعة من أبناء القرية يدور حولهم غرباء من أبناء القرى البيضاء.. العجوز تسمع همسهم.. العجوز تبكى, لسانها يرتعش بين فكيها, العجوز تغلق بابها, تسنده بظهرها, ,,,....
الهمس يصبح صيحات,.........
( نريد مصاغ العجوز, نريد ثروتها)
قالها إبن لها...
"
( إنها عجوز لعووب)
قالها إبن عمها..
"
(دعونا نبنى حولها سورا" من الأسوار الشائكة لنعزلها عن باقى القرى)

قالها رجل ابيض..!

"
العجوز ترتعش....
العجوز تنتحب فى خووف..
العجوز تفقد إتزانها.....
العجوز تسقط تتحسس الأرض.....!
العجوز فقدت وعيها.........
الجميع لازالوا يتهامسون أمام بابها....
العجوز فقدت الوعى.........
( أأأأأأأأأه يا أمنااااااااا)
( أأأأأأأأأأأأه يا مصرررررر)
قالها عمر ....!

ماذا تقول لتلك المرأة؟
ماذا تقول لأبنائها؟
ماذا تقول لأبناء عمومتها؟
ماذا تقول للرجل الأبيض؟

دمتم بعزة وكرامة

أمشي و أضحك يا ليلى مكابرةً
علي أخبي عن الناس احتضاراتيْ

"لا الناسُ تعرف ما خطبي فتعذرني
و لا سبيل لديهم في مواساتيْ
"
يرسو بجفني حرمان يمص دمي
و يستبيح اذا شاء ابتساماتي

"عندي أحاديث حزن كيف أسطرها
تضيق ذرعا بي أو في عباراتي

شكرااااااااااااا

موضع ممتاز مشكور اخي