هي بالتأكيد سابقة خطيرة، إلا أنها غير مستغربة في التوقيت والمضمون، وسنأتي على ذلك في التفاصيل.
مندوب السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وبتوجيه من محمود عباس، قدّم مشروع قرار إلى الجمعية العامة تضمنت النسخة الأولى منه إشارة إلى حركة حماس على أنها (ميليشيا) خارجة على القانون.
وجاء حرفياً في النص (استيلاء ميليشيات خارجة عن القانون في حزيران/ يونيو الماضي على مؤسسات السلطة الفلسطينية في غزة).
واللافت في هذه السابقة الخطيرة ليس إلى حماس، وإنما إلى القضية الفلسطينية برمتها.
إن مشروع القرار تم توزيعه على مندوبي الاتحاد الأوربي دون إجراء أية مشاورات مع مندوبي الدول العربية الذين فوجئوا ببنوده، وهذا ما دفعهم إلى الاعتراض على المشروع ولاسيما من مندوبي مصر وسورية وليبيا والسودان، وعبروا عن رفضهم لأية إشارة لحماس بأنها ميليشيا خارجة عن القانون.
وقال مندوب مصر السفير ماجد عبد الفتاح إن وصف حماس على هذا النحو يفتح الباب أمام الولايات المتحدة لتصنيف أية جهة بأنها إرهابية، أما المندوب الليبي فوصف المشروع بأنه سابقة ستكون لها نتائج خطيرة، وفي النهاية اتفقت المجموعة العربية على التعديل بإدخال عبارة (الاستيلاء غير القانوني) على مؤسسات السلطة.
أما في خلفيات المشروع فهي ليست كما تدعي جماعة أبو مازن (للضغط على حركة حماس من أجل إعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً في غزة)، وإنما هي مجموعة مستحقات مطلوبة من السلطة قبيل انعقاد اجتماع بوش في أنابوليس نهاية تشرين الثاني الجاري، حيث لم يعد سراً اشتراط بوش وأولمرت على محمود عباس عدم التقارب مع حماس، وعدم مشاركتها في أي نوع من أنواع الحكم والسلطة في الضفة والقطاع، مقابل الدعوة لاجتماع أنابوليس، ووعده بإطلاق المفاوضات بين إسرائيل وسلطته دون تحديد سقف زمني لهذه المفاوضات، كما لم يعد سراً التنسيق بين أبو مازن وأولمرت لمحاصرة فصائل المقاومة وليس حماس لوحدها، ويأتي مشروع القرار في الجمعية العامة أول الغيث لاعتبارها لاحقاً -أي المقاومة- مجموعة إرهابية، وهذا ما يمكن ملاحظته في الاتهامات التي أطلقها أكثر من مسؤول في السلطة وفي حركة فتح بأن قطاع غزة (أصبح مرتعاً لتنظيم القاعدة)، وبالتالي يصبح ذلك مبرراً لحكومة إسرائيل وكذلك الإدارة الأمريكية لاتخاذ الإجراءات العسكرية ضد كل فصائل المقاومة، وعند أي حادث إطلاق نار أو صواريخ باتجاه المستوطنات أو جنود الاحتلال، فهل هناك خيانة أكبر من هذه الخيانة التي تمارسها السلطة الفلسطينية بحق المقاومة التي تهدف إلى تحرير الأرض والإنسان وعودة اللاجئين؟.
أما في التوقيت فلا شك في أن أبو مازن يحاول الحصول على صك براءة وحسن سلوك من أولمرت وبوش، وتقديم نفسه على أنه جادّ في سعيه إلى صنع (السلام) مع إسرائيل، فهو مستعد للتضحية بكل تاريخ المقاومة الفلسطينية مقابل وعده بأن يكون رئيساً (للدولة) الفلسطينية القادمة، وهو -أي عباس- يريد إظهار نفسه على أنه لا يزال الشخص الممسك بالأوراق والقادر على اتخاذ القرارات المصيرية، وهكذا ينجح محمود عباس في إدخال القضية الفلسطينية من نفق إلى آخر بانتظار الإجهاز عليها بإلهائه بـ(الدولة) المزمعة، وكل ذلك وسط صمت، بل بمشاركة تلك الدول العربية التي تتغنى بأنها (معتدلة)، وفي الحقيقة أقل ما توصف به أنها مخرِّبة، فهل سيبقى شعبنا العربي خاملاً ومنتظراً تشييع فلسطين إلى مثواها الأخير، أم سينتفض وتكون الشرارة من فلسطين الذبيحة؟
الثلاثاء ديسمبر 04, 2007 5:26 am